إبن الضيعة
"رشيد افندي"
رجل
أعمال كبير، يملك في بيروت و خارجها الكثير من الشركات والمؤسسات
الاقتصادية،
كما إن له
علاقات بأكبر الشركات التجارية في العالم. رزقه الله بإبنة وحيدة تدعى
"ناديا" وهو ليس اصلأً من سكان بيروت، بل من قرية جنوبية ، و قد قدم الى
العاصمة شاباً طموحاً، عمل بجهد متواصل الى ان وصل الى ما هو
عليه
من ثراء وجاه. و حالت اعماله دون عودته الى قريته
الا في
المنابسات النادرة ومع ذلك لم يتنكر لإهله،
بل
قدم لهم يد المساعدة قي اكثر من سبيل و قد اظهر لهم محبته و عاطفته في
العديد من المناسبات
، ولكنه كان
يعتبر أن عهده بقريته زمان قد مضى، والانسان ابن يومه لذلك بنى له
قصراً في ضواحي بيروت ، وعاش حياته الاجتماعية ضمن مجموعة معينة، جلها من
اصحاب الاموال الموثورين.
اما ناديا
إبنته، فكانت تحب ضيعتها جداً ، و تقضي فيها الأسابيع خصوصاً في فصل الصيف
و تعلق بها شاباً من أقاربها و بادلته الحب. لكن والدها رفض الأمر بحجة أنه
يريد تزويجها من أحد ابناء معارفه الاغنياء، و بعد جدال طويل مع والدها
رضخت للامر، فالشاب غني و متعلم و وسيم ولا ينقصه شيئ مما تريده ناديا.
ولكن حبها لقريبها لم يتغير فكانت الايام تمر عليها باردة، جافة رغم حصولها
على ما تريده من حاجات الدنيا.
ودار الزمان
دورته، و اذا بحالة رشيد افندي الاقتصادية تتراجع ، فالسوق لا يرحم ،
والمزاحمات تتزايد والديون تتراكم و زاد الامر سوءأً أن خسارته في احدى
الاعمال التجارية كانت كبيرة .
- ما العمل يا والدي ؟ قالت ناديا والقلق بادٍ على محياها.
- لا اعرف يا ناديا، الحالة صعبة و لا سبيل امامي للخلص حتى الان.
- الم تتصل بوالد خطيبي و تطلب مساعدته؟
فتطلع إليها،
فرأت الاسف في عينيه، و بحسرة أجاب :
- لقد اتصلت به و طلبت منه المساعدة فكان جوابه الاعتذار، كما ابلغني أن
خطبتك لإبنه لم تعد قائمة، وان الزواج قسمة و نصيب.
- ماذا؟ صرخت ناديا.
- نعم يا حبيبتي لقد اخطأنا بنظرتنا الطيبة الى هؤلاء القوم.
وانتشرت
الاخبار أن رشيد افندي على وشك الافلاس وأن مؤسساته و ممتلكاته ستباع
بالمزاد العلني لسد الديون.
وكان صباح
الاحد حيث ايقظ الخادم من نومه باكراً.
- ماذا هناك؟
- لقد قدم يا سيدي اهل ضيعتك و هم ينتظرونك في الصالون.
- اهل ضيعتي ماذا يريدون.
- لا ادري يطلبون مقابلتك.
وضع عباءته على
جسده و أسرع في النزول الى الصالون فإذا بالعشرات من رجال قريته مجتمعون و
عيونهم تتطلع اليه.
- اهلاً يا أهلي وأبناء ضيعتي، ماذا في الأمر؟
و تكلم
المختار: أنت يا رشيد افندي واحد منا، وانت ابن ضيعتنا ولن نسمح ان تباع
املاك ابن ضيعتنا و يهان وبيننا دم ينبض. وبصريح العبارة، لقد قررنا جميعنا
تقديم كل ما يملك من مال وارزاق في سبيل انهاء موضوع ديونك و عودة الحال في
شركاتك الى ما كانت عليه.
دموع كثيرة
ترقرقت من عيونه، و قبلهم واحد واحداً واحداً ولم يقل أي كلمة. بعد اشهر
عادت لرشيد افنديً مكانته الاقتصادية المعتادة وذلك بمساعدة ابناء ضيعته.
تزوجت ابنته من قريبها وبنى لها منزلاً في ضيعته فكان يجلس على شرفته وسط
الكثير من الاهل و الاصحاب قائلاً : لقد
عادت
اليً حياتي يوم عدت الى ضيعتي.
جوزاف خوري صيقلي
تشرين أول ٢٠٠٥ |